فصل: تَجْهِيزُ الْجَيْشِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.خُرُوجُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُثَبّتَ الْعَقْدَ وَرُجُوعُهُ بِالْخَيْبَةِ:

خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي؟ قَالَتْ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجَسٌ فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك بَعْدِي شَرّ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَهُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلّمَهُ أَنْ يُكَلّمَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ثُمّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَكَلّمَهُ فَقَالَ أَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ فَوَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ ثُمّ جَاءَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهِمَا فَقَالَ يَا عَلِيّ إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا وَإِنّي قَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَنّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا اشْفَعْ لِي إلَى مُحَمّدٍ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي ابْنَك هَذَا فَيُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ فَيَكُونَ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ؟ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا يَبْلُغُ ابْنِي ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إنّي أَرَى الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ فَانْصَحْنِي قَالَ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ لَك شَيْئًا يُغْنِي عَنْك وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك قَالَ أَوَتَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أَظُنّهُ وَلَكِنّي مَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ ثُمّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ جِئْت مُحَمّدًا فَكَلّمْته فَوَاَللّهِ مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا ثُمّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا ثُمّ جِئْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَوَجَدْته أَعْدَى الْعَدُوّ ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ قَدْ أَشَارَ عَلَيّ بِشَيْءٍ صَنَعْته فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي عَنّي شَيْئًا أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَبِمَ أَمَرَك؟ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ فَفَعَلْت فَقَالُوا: فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ؟ قَالَ لَا. قَالُوا: وَيْلَك زَادَ الرّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا وَجَدْت غَيْرَ ذَلِكَ.

.تَجْهِيزُ الْجَيْشِ:

وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ بِالْجَهَازِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهّزُوهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَهِيَ تُحَرّكُ بَعْضَ جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةَ أَمَرَكُنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَجْهِيزِهِ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَتَجَهّزَ قَالَ فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ قَالَتْ لَا وَاَللّهِ مَا أَدْرِي. ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمَ النّاسَ أَنّهُ سَائِرٌ إلَى مَكّةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْجِدّ وَالتّجْهِيزِ وَقَالَ اللّهُمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا فَتَجَهّزَ النّاسُ.

.كِتَابَةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَإِخْبَارُ الْوَحْيِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ:

فَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ كِتَابًا يُخْبِرُهُمْ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ ثُمّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَهُ قُرَيْشًا فَجَعَلَتْهُ فِي قُرُونٍ فِي رَأْسِهَا ثُمّ خَرَجَتْ بِهِ وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ فَبَعَثَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ. وَغَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ بَعَثَ عَلِيّا وَالْمِقْدَادَ وَالزّبَيْرَ فَقَالَ انْطَلِقَا حَتّى تَأْتِيَا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ إلَى قُرَيْشٍ فَانْطَلَقَا تَعَادَى بِهِمَا خَيْلُهُمَا حَتّى وَجَدَا الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ فَاسْتَنْزَلَاهَا وَقَالَا: مَعَكِ كِتَابٌ؟ فَقَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَفَتّشَا رَحْلَهَا فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا فَقَالَ لَهَا عَلِيّ- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا كَذَبْنَا وَاَللّهِ لَتُخْرِجِنّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرّدَنّكِ فَلَمّا رَأَتْ الْجِدّ مِنْهُ قَالَتْ أَعْرِضْ فَأَعْرَضَ فَحَلّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْهَا فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِمَا فَأَتَيَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَاطِبًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ فَقَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَللّهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا ارْتَدَدْت وَلَا بَدّلْت وَلَكِنّي كُنْتُ امْرَءًا مُلْصَقًا قُرَيْشٍ لَسْت مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلِي فِيهِمْ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَوَلَدٌ وَلَيْسَ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ يَحْمُونَهُمْ وَكَانَ مَنْ مَعَك لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنّهُ قَدْ خَانَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَقَدْ نَافَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلّ اللّهَ قَدْ اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَالنّاسُ صِيَامٌ حَتّى إذَا كَانُوا بِالْكَدِيدِ- وَهُوَ الّذِي تُسَمّيهِ النّاسُ الْيَوْمَ قُدَيْدًا- أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النّاسُ مَعَهُ.

.لِقَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَبّاسَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ ابْنَ عَمّهِ وَعَبْدَ اللّهِ ابْنَ أَبِي أُمَيّةَ ابْنَ عَمّتِهِ:

ثُمّ مَضَى حَتّى نَزَلَ مَرّ الظّهْرَانِ وَهُوَ بَطْنُ مَرّ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَعَمّى اللّهُ الْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ فَهُمْ عَلَى وَجَلٍ وَارْتِقَابٍ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَخْرُجُ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ فَخَرَجَ هُوَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ وَكَانَ الْعَبّاسُ قَدْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا فَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجُحْفَةِ وَقِيلَ فَوْقَ ذَلِكَ وَكَانَ مِمّنْ لَقِيَهُ فِي الطّرِيقِ ابْنُ عَمّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ لَقِيَاهُ بِالْأَبْوَاءِ وَهُمَا ابْنُ عَمّهِ وَابْنُ عَمّتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُمَا لِمَا كَانَ يَلْقَاهُ مِنْهُمَا مِنْ شِدّةِ الْأَذَى وَالْهَجْوِ فَقَالَتْ لَهُ أُمّ سَلَمَةَ لَا يَكُنْ ابْنُ عَمّكَ وَابْنُ عَمّتِك أَشْقَى النّاسِ بِك وَقَالَ عَلِيّ لِأَبِي سُفْيَانَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ ائْتِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْ لَهُ مَا قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ {تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنّا لَخَاطِئِينَ} [يُوسُفَ 91] يَكُونَ أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْهُ قَوْلًا فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ} [يُوسُفَ 92] فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
لَعَمْرُك إنّي حِينَ أَحْمِلُ رَايَةً ** لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللّاتِ خَيْلَ مُحَمّد

لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ** فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى فَأَهْتَدِي

هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَدَلّنِي ** عَلَى اللّهِ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّد

فَضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ أَنْتَ طَرّدْتَنِي كُلّ مُطَرّدٍ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيُقَالُ إنّهُ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنْذُ أَسْلَمَ حَيَاءً مِنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّهُ وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنّةِ وَقَالَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ وَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَا تَبْكُوا عَلَيّ فَوَاَللّهِ مَا نَطَقْت بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ.

.إيقَادُ النّيرَانِ بِمَرّ الظّهْرَانِ:

فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الظّهْرَانِ نَزَلَهُ عِشَاءً فَأَمَرَ الْجَيْشَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ فَأُوقِدَتْ عَشَرَةُ آلَافِ نَارٍ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَرَسِ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.

.لِقَاء الْعَبّاسِ أَبَا سُفْيَانَ وَرُكُوبُهُ مَعَهُ إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَرَكِبَ الْعَبّاسُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيْضَاءَ وَخَرَجَ يَلْتَمِسُ لَعَلّهُ يَجِدُ بَعْضَ الْحَطّابَةِ أَوْ أَحَدًا يُخْبِرُ قُرَيْشًا لِيَخْرُجُوا يَسْتَأْمِنُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَنْوَةً قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا إذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ كَاللّيْلَةِ نِيرَانًا قَطّ وَلَا عَسْكَرًا قَالَ يَقُولُ بُدَيْلٌ هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ فَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ خُزَاعَةُ أَقَلّ وَأَذَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا قَالَ فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فَقُلْت: أَبَا حَنْظَلَةَ فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ أَبَا الْفَضْلِ؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا لَك فِدَاك أَبِي وَأُمّي؟ قَالَ قُلْتُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ قَالَ فَمَا الْحِيلَةُ فِدَاك أَبِي وَأُمّي؟ قُلْت: وَاَللّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِك لَيَضْرِبَنّ عُنُقَك فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْتَأْمِنُهُ لَك فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ قَالَ فَجِئْتُ بِهِ فَكُلّمَا مَرَرْتُ بِهِ عَلَى نَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عَلَيْهَا قَالُوا: عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إلَيّ فَلَمّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدّابّةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَدُوّ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ فَسَبَقَتْ فَاقْتَحَمْتُ عَنْ الْبَغْلَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي قَدْ أَجَرْته ثُمّ جَلَسْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَقُلْتُ وَاَللّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ قُلْتُ مَهْلًا يَا عُمَرُ فَوَاَللّهِ لَوْ كَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ مِثْلَ هَذَا قَالَ مَهْلًا يَا عَبّاسُ فَوَاَللّهِ لَإِسْلَامُكَ كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ وَمَا بِي إلّا أَنّي قَدْ عَرَفْتُ أَنّ إسْلَامَكَ كَانَ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ بِهِ يَا عَبّاسُ إلَى رَحْلِك فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ فَذَهَبْت فَلَمّا أَصْبَحْت غَدَوْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ قَالَ وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك أَمّا هَذِهِ فَإِنّ فِي النّفْسِ حَتّى الْآنَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ وَيْحَكَ أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُك فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ الْعَبّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ نَعَم مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِنٌ وَأَمَرَ الْعَبّاسَ أَنْ يَحْبِسَ أَبَا سُفْيَانَ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ فَيَرَاهَا فَفَعَلَ فَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا كُلّمَا مَرّتْ بِهِ قَبِيلَةٌ قَالَ يَا عَبّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ سُلَيْمٌ قَالَ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِسُلَيْمٍ ثُمّ تَمُرّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ يَا عَبّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ مُزَيْنَةُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ حَتّى نَفِدَتْ الْقَبَائِلُ مَا تَمُرّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلّا سَأَلَنِي عَنْهَا فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِمْ قَالَ مَا لِي وَلِبَنِي فُلَانٍ حَتّى مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ مِنْ الْحَدِيدِ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ يَا عَبّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ قُلْتُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْيَوْمَ عَظِيمًا قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا سُفْيَانَ إنّهَا النّبُوّةُ قَالَ فَنَعَمْ إذًا قَالَ قُلْتُ النّجَاءُ إلَى قَوْمِك. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَلَمّا مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ لَهُ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا. فَلَمّا حَاذَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدٌ؟ قَالَ وَمَا قَالَ فَقَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ الْيَوْمَ يَوْمٌ تُعَظّمُ فِيهِ الْكَعْبَةُ الْيَوْمَ يَوْمٌ أَعَزّ اللّهُ فِيهِ قُرَيْشًا. ثُمّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدٍ فَنَزَعَ مِنْهُ اللّوَاءَ وَدَفَعَهُ إلَى قَيْسٍ ابْنِهِ وَرَأَى أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ سَعْدٍ إذْ صَارَ إلَى ابْنِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرُوِيَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا نَزَعَ مِنْهُ الرّايَةَ دَفَعَهَا إلَى الزّبَيْرِ.

.رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْشٍ:

وَمَضَى أَبُو سُفْيَانَ حَتّى إذَا جَاءَ قُرَيْشًا صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَامَتْ إلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ فَقَالَتْ اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدّسِمَ الْأَحْمَشَ السّاقَيْنِ قُبّحَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ قَالَ وَيْلَكُمْ لَا تَغُرّنّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَإِنّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ قَالُوا: قَاتَلَك اللّهُ وَمَا تُغْنِي عَنّا دَارُك قَالَ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَتَفَرّقَ النّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ.

.دُخُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ:

وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا وَضُرِبَتْ لَهُ هُنَالِكَ قُبّةٌ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا وَكَانَ عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْيُمْنَى وَفِيهَا أَسْلَمُ وَسُلَيْمٌ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَقَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الرّجّالَةِ وَالْحُسّرِ وَهُمْ الّذِينَ لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ وَقَالَ لِخَالِدٍ وَمَنْ مَعَهُ إنْ عَرَضَ لَكُمْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتّى تُوَافُونِي عَلَى الصّفَا فَمَا عَرَضَ لَهُمْ أَحَدٌ إلّا أَنَامُوهُ.

.مُقَاتَلَةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ:

وَتَجَمّعَ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَأَخِفّاؤُهَا مَعَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ أَخُو بَنِي بَكْرٍ يُعِدّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لِمَاذَا تُعِدّ مَا أَرَى؟ قَالَ لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا يَقُومُ لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ قَالَ إنّي وَاَللّهِ لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَك بَعْضَهُمْ ثُمّ قَالَ:
إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَالِي عِلّه ** هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلّهْ

وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السّلّه الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَشَذّا عَنْهُ فَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ فَقُتِلَا جَمِيعًا وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَحْوُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ثُمّ انْهَزَمُوا وَانْهَزَمَ حِمَاسٌ صَاحِبُ السّلَاحِ حَتّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أَغْلِقِي عَلَيّ بَابِي فَقَالَتْ وَأَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ؟ فَقَالَ:
إنّكِ لَوْ شَهِدْتِ يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ ** إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرِمَهْ

وَاسْتَقْبَلَتْنَا بِالسّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ ** يَقْطَعْنَ كُلّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ

ضَرْبًا فَلَا نَسْمَعُ إلّا غَمْغَمَهْ ** لَهُمْ نَهِيتٌ حَوْلَنَا وَهَمْهَمَهْ

لَمْ تَنْطِقِي فِي اللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ مَكّةَ فَبَعَثَ الزّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنّبَتَيْنِ وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْأُخْرَى وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَة بْنَ الْجَرّاحِ عَلَى الْحُسّرِ وَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ قَالَ وَقَدْ وَبّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا فَقَالُوا: نُقَدّمُ هَؤُلَاءِ فَإِنْ كَانَ لِقُرَيْشٍ شَيْءٌ كُنّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الّذِي سُئِلْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا يَأْتِينِي إلّا أَنْصَارِي فَهَتَفَ بِهِمْ فَجَاءُوا فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَتَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ثُمّ قَالَ بِيَدَيْهِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتّى تُوَافُونِي بِالصّفَا فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ إلّا شَاءَ وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجّهَ إلَيْنَا شَيْئًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجُونِ عِنْدَ مَسْجِدِ الْفَتْحِ.